العالم على حافة أزمة إنسانية.. أكثر من 1.8 مليار إنسان تحت تهديد الفيضانات
العالم على حافة أزمة إنسانية.. أكثر من 1.8 مليار إنسان تحت تهديد الفيضانات
أظهرت دراسات وتحليلات دولية أن التعرض للفيضانات بات ظاهرة عالمية متصاعدة، ويعيش اليوم أكثر من 1.8 مليار شخص في مناطق تتعرّض لخطر كبير من الفيضانات، وتزايد التعرض لا يعكس مجرد ارتفاع منسوب المياه، بل هو نتاج تلاقي عوامل مناخية وطبيعية مع سياسات تنمية بشرية خاطئة وتدمير للبيئة والبُنى التحتية، ما يجعل الأثر الإنساني للفيضانات أكثر قسوة على الفقراء والسكان الحضرية الضعيفة وفق بيانات البنك الدولي.
تتولد مخاطر الفيضانات من تفاعل أربعة محاور رئيسية، أولا، تغير المناخ يزيد تواتر وشدة الأمطار الغزيرة والعواصف البحرية ويحوّلها إلى أحداث متطرفة، ثانيا، التوسع الحضري غير المخطط له وتحويل الأراضي الرطبة وإغلاق مجاري المياه يضاعف التعرض ويُعطّل قدرة الطبيعة على احتواء الفيضان، ثالثا، الفقر وعدم المساواة يجعلان عددًا أكبر من الأسر تعيش في مناطق معرضة، بلا حماية أو بنية تحتية مقاومة، ورابعا، ضعف أنظمة الإنذار المبكر والتخطيط الحضري والهشاشة المؤسسية يترك السكان بلا وقت للاستجابة أو إخلاء آمن، تقارير متخصصة أكدت أن تضافر هذه العوامل غذّى وقوع مئات كوارث الفيضانات في السنوات الأخيرة، وأن الفيضانات كانت ثاني أكثر أسباب الكوارث انتشارا بعد العواصف.
شهد العام الماضي كارثة مميتة في منطقة فالنسيا بإسبانيا حيث تسبّبت أمطار خارقة في وفيات تجاوزت المئتين وعشرات المفقودين، مشهداً يعكس أن دولا ذات قدرات تصريف وبنية تحتية متقدمة ليست بالحصانة من الفيضانات المتطرفة، وفي المقابل، تتركز المخاطر الأعظم بالنسبة البشرية في بلدان ذات ساحل مكشوف وكثافة سكانية عالية مثل الفلبين والهند وإندونيسيا وموزمبيق وكولومبيا والمكسيك وميانمار، حيث تترجم الفيضانات سنويا إلى وفيات واسعة وتشريد جماعي وخسائر اقتصادية جسيمة.
تداعيات إنسانية واقتصادية
الفيضانات تقتل وتجرح وتدمر منازل وأنظمة مياه وكهرباء وطرق ومستشفيات. أثرها الإنساني يتجاوز الخسائر الفورية ليشمل تهديد الأمن الغذائي بسبب تلف المحاصيل، وقنوات صحية ملوثة تؤدي إلى تفشيات أمراض مائية مثل الإسهالات والكوليرا، وفجوات سكنية تؤدي إلى نزوح داخلي طويل الأمد، كما تضاعف الفيضانات من مخاطر الفقر وتعثر شبكات المدارس والتوظيف، ما يورّث أجيالا كاملة دون احتياجات أساسية، وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن التعرض للفيضانات أضحى أوسع جغرافيا وبشريا مما كان عليه قبل عقود، وأن العبء الأكبر يقع على المجتمعات الفقيرة والجزُر والدول الساحلية.
تراوحت استجابات منظمات دولية وحكومية وغير حكومية بين إعلانات طوارئ وإمكانيات دعم فوري وبرامج إعادة إعمار، لكن تقارير خبراء تؤكد أن الاستثمار في الاستعداد والوقاية يبقى الأكثر فاعلية لتقليل الوفيات والخسائر، مؤسسات مثل مكتب الأمم المتحدة لتقليل مخاطر الكوارث ومنظمات إغاثية تحث على تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتجهيز ملاجئ ملائمة، وتأمين سلاسل دعم للمجتمعات الضعيفة، وتقترح أبحاث دولية أيضاً تبنّي حلول الطبيعة مثل استعادة الأراضي الرطبة وزراعة المانغروف على السواحل كحاجز تكيفي مثبت الفاعلية يقلل تأثير العواصف والارتفاع البحري.
من منظور حقوقي، تعني الفيضانات المتوقعة والمعتدّة بها أن للدول التزامات لحماية حقوق الإنسان الأساسية بما فيها الحق في الحياة، والصحة، والمياه، والسكن المناسب، وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان دعت إلى تضمين معايير حقوق الإنسان في سياسات التكيّف والتخطيط، وإلى واجب الحيطة والحماية والدعم للفئات الأكثر تعرضا، كما أن التطورات القضائية والحقوقية الدولية باتت تضيف ثقلاً قانونياً لمبدأ واجب الدول تقليل المخاطر المتصلة بالمناخ وحماية السكان من أضرار يمكن تلافيها بالتخطيط والسياسات الملائمة، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
الحد من المخاطر والوقاية
تجمع الأدلة العلمية والسياساتية على أن الوقاية تبقى الاستثمار الأكثر جدوى، حيث يشرح الخبراء خطوات قابلة للتطبيق تتضمن: تحسين أنظمة الإنذار المبكر والاتصالات بين السلطات المحلية والمجتمعات، ودمج المعارف التقليدية مع النماذج العلمية لتوقع الفيضانات، وتنظيم التخطيط العمراني لمنع البناء في مناطق السهول الفيضية، وإعادة تأهيل وحماية الأراضي الرطبة والشريط الساحلي بالحلول الطبيعية مثل المانغروف، وتعزيز شبكات الصرف الصحي ومحطات الضخ المرنة. على الصعيد المالي، تقترح مؤسسات تنموية وآخرون إنشاء أدوات تمويل للمخاطر مثل الصناديق الإقليمية للتأمين ضد الكوارث وبرامج إقراض خاصة بالبنية التحتية المقاومة للفيضانات.
ويوصي خبراء بتوجيه استثمارات طارئة لتعزيز أنظمة الإنذار وإجلاء السكان وحماية الحيازة السكنية في المناطق الأكثر عرضة، إضافة إلى توسيع برامج الطبيعة كخط دفاع أولي بالتوازي مع بنى تحتية هندسية، بجانب ربط المساعدات بالالتزام بخطط طويلة الأمد لإعادة إعمار مرن، مع تحسين تبادل البيانات والخرائط المفتوحة للتعرّف على نقاط الضعف ودعم التخطيط الحضري المرن، وأخيراً، تضمين معايير العدالة المناخية في تمويل التكيف، بحيث تستفيد البلدان والأُسر الأشد هشاشة من دعم ميسّر وتقني مستدام.
الفيضانات ليست كوارث عابرة فحسب، بل تعبير عن إخفاق جمعي في إدارة علاقة الإنسان بطبيعته والتعامل مع تداعيات تغير المناخ. منذ عقود، ارتفعت التعرضات نتيجة النمو السكاني والتحضر السريع وفقدان المساحات الطبيعية القادرة على امتصاص المياه، والبيانات الحديثة تؤكد أن الحلول التقنية والطبيعية والسياساتية متاحة وقابلة للتطبيق، لكن ما ينقص هو الإرادة السياسية والتمويل المنسق والتركيز على حماية الفئات الأضعف، ويتطلب إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر الاقتصادية اليوم أكثر من أي وقت مضى تحويل استجابة الطوارئ إلى استراتيجية عالمية للوقاية والعدالة المناخية.